Please login to verify this Profile

محمد أبوغدير المحامي محمد أبوغدير المحامي
الحق في العدل : بين الحكم الرشيد الشوريّ واستقلال القضاء وإصلاح القضاة وصحوة الشعوب . بقلم : محمد أبوغدير المحامي
مقدمة :
العدل قيمة عظيمة فهو قوام الدنيا والدين وسبب صلاح العباد والبلاد ، وقد فرض...عرض المزيد
Be the first person to like this
الحياة بلا أمن لا تساوي شيء بقلم محمد أبوغدير المحامي
إذا امتلأت قلوب الناس خوفاّ وذُعراّ ، ونَزْعِ الأمن من البلاد ، لم يأمن الناس على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وعاشوا في قلقٍ واضطراب ، فلا يجدون...عرض المزيد
Be the first person to like this
فبراير 8, 2018
298 views
المقدمة
والمبحث الأول : ضمانات الحرية الشخصية في استجواب المتهم
المقدمة
أولاً- أهمية البحث
علم التحقيق الجنائي علمٌ عميق الأغوار واسع الأفاق تتعدد إجراءاته وتتنوع بحسب طبيعة الجريمة التي يجرى التحقيق عنها ، لذلك يستوجب لفهم هذا العلم دراسة معمقة لاسيما وإنها تتطور وتختلف باختلاف الزمان والمكان ، حيث مر علم التحقيق الجنائي بمراحل تاريخية وهو في عزلة عن العلوم الأُخرى ، إذ كانت الإجراءات التحقيقية تتخذ بأساليب روتينية تعسفية لا قيود لها من الناحيتين الفنية والقانونية . وكان الفرد تُفترض إدانته من البداية خلافاً لمبادئ العدالة.
ونتيجة للكفاح الطويل والمرير الذي خاضته الإنسانية ضد تلك الإجراءات التعسفية ، فقد تمخض ذلك عن قاعدة قانونية جوهرية تقرر (( أن الأصل في الإنسان البراءة حتى تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة عادلة تؤمن فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه )) . وما لبثت تلك القاعدة حتى تبنتها مواثيق وإعلانات حقوق الإنسان ، ومن ثم تبنتها أغلب دساتير العالم ومنها الدستور العراقي الحالي لعام 1970 لتصبح قاعدةً دستورية .
غير أنه لا يمكن التغاضي عن أن هنالك أفعالاً قد تؤدي إلى اضطراب الأمن وزعزعة كيان المجتمع مما يتطلب اتخاذ إجراءات تحقيقية سابقة على حكم الإدانة ، ولعل أن من أهم تلك الإجراءات وأشدها مساساً بالحقوق والحريات الشخصية التي دافع عنها الإنسان طويلاً هما استجواب المتهم وتوقيفه ، مما يستوجب اتسامهما بخصوصية استثنائية بوصفهما مخالفة لقرينة البراءة المفترضة في الإنسان ، وعليه فإنه لا يجوز اللجوء إليهما إلا لضرورة وفي أحوال محددة قانوناً و بضمانات صريحة تكفل للفرد والمجتمع في آن واحد الأمن والحرية لأنهما يمسان حرية الإنسان ، وكل مساس بتلك الحرية ينبغي أن يكون له سند من القانون تتحقق به مصلحة أعلى هي حماية المجتمع الذي يكون الفرد نواة تكوينه وبنيته الأساسية ، فإذا تعارضت المصلحتان (مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع تُغلَّب مصلحة المجتمع التي هي أجدر بالرعاية والحماية الأمر الذي يستوجب اتخاذ مثل تلك الإجراءات التي تسبق حكم الإدانة .
ولما كان الموضوع رغم أهميته لم يحضَ بالدراسة الكافية في بلدنا - العراق - بشكل يغطي كافة جوانبه ، فقد بادرت لاختياره عنواناً للبحث ، باعتباره من أهم موضوعات قانون الإجراءات الجنائية في دول العالم قاطبة ومنها قطرنا الحبيب .
وتتجلى أهمية البحث ومدى إمكانية استفادة القضاء و أجهزة العدل منه في أن القاضي وهو بصدد تطبيقه لأحكام قانون أُصول المحاكمات الجزائية عند تحقيقه مع المتهم ، لا تكفيه النصوص القانونية المجردة دائماً ، مما يتعين عليه البحث في أحكام النص وتحليله والخوض في هدف المشرع منه والحكمـة من تشريعه للوقوف على الضمانات التي كفلها للمتهم عند استجوابه أو عند توقيفه . كما يتعين عليه الوقوف على رأي القضاء واتجاهاته المتباينة أحياناً بحسب تباين الجرائم واختلاف وقائعها وظروفها . و يتعين عليه كذلك عدم إغفال النصوص الدستورية المهمة بهذا الصدد للوقوف على الضمانات التي كفلتها تلك النصوص بما جعلها قواعد وضمانات دستورية واجبة التطبيق وذلك لما تمتاز به هذه النصوص من سمو على النصوص القانونية الأخرى . وعملية البحث في النصوص المتعلق باستجواب المتهم وتوقيفه بهذا الشمول تتطلــب من القاضي المختص دراسة العديد من المصادر والإطلاع على العديد من أحكام القضاء ، وهـي عملية ليست باليسيرة لما تتطلبه من وقت وجهد ، في وقت ينظر فيه قاضي التحقيق العديد من القضايا يومياً . لذلك يكون البحث المعمق في ضمانات الحرية الشخصية في استجواب المتهم وتوقيفه الطريق المـُعبَّد للقاضي المختص للوقوف علـى الأحكام القانونية بجزئياتها وتطبيقات القضاء بشأنها . وبهذا الأسلوب نكون قد قدَّمنا فائدة للقضاء العراقي نرجو أن تنال الرضا والقبول خدمةً للصالح العـام .
ثانياً- تقسيم البحث:
تتوزع الفكرة الأساسية إلى محورين أساسين وعليه فسنقسم بحثنا إلى فصلين ، الأول ندرس فيه ضمانات الحرية الشخصية في استجواب المتهم ، إذ نص قانون أُصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 على ضمانات إجرائية مهمة ، منها ما يتعلق بالمدة التي يجب خلالها استجواب المتهم ، ومنها ما يتعلق بالجهات المخولة بالاستجواب ، بالإضافة إلى عدم جواز تحليف المتهم اليمين ، كما نص على حقوق مهمة للمتم عند استجوابه ، منها حقه في الصمت ، وحقه في طلب الاستماع إلى شهود ومناقشتهم ، وحقه في عدم استعمال سلطات التحقيق معه وسائل غير مشروعة عند استجوابه .
أما المحور الثاني في دائرة البحث ، فيتعلق بضمانات الحرية الشخصية في توقيف المتهم وسنتناوله في الفصل الثاني من البحث، والذي سنحاول من خلاله إبراز الضمانات المتعلقة بإصدار قرار التوقيف ، بالإضافة إلى ضمانات المتهم الموقوف ، كضمان إطلاق سراحه وضمان الطعن بقرار التوقيف. وسنحاول في كلا المحورين التعمق بالبحث بهدف التوصـل إلى آراء ومقترحات من شأنها أن تسهم في تطوير القواعد القانونية القائمة في هذا المجال والله الموفق .
المبحث الأول : ضمانات الحرية الشخصية في استجواب المتهم
يُعرَّف الاستجواب بأنه مناقشة المتهم بالجريمة المنسوبة إليه ، والأدلة المقدمة ضده ، مناقشةً تفصيلية ، كيما يفندها إن كان منكراً التهمة أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف ( ).
ويُعد الاستجواب من أهم إجراءات التحقيق ، نظراً لكونه المعين الثَّر على كشف الحقيقة بإدانة المتهم أو لإظهار براءته ، فهو طريق اتهام وطريق دفاع في آن واحد ( ).ونظراً لهذه الأهمية المتميزة للاستجواب فقد أحاطته التشريعات الجنائية المعاصرة بضمانات متعددة بغيَّة حماية المتهم من التعسف في استعمال السلطة الممنوحة للقائمين به ، و يمكن تقسيم هذه الضمانات إلى نوعين ، النوع الأول الضمانات الإجرائية المتعلقة باستجواب المتهم ،كتحديد المدة التي يجب استجواب المتهم خلالها ، وتحديد الجهات المخولة بالاستجواب إضافة إلى حـق المتهم بالاستعانة بمحام ،والنوع الثاني ضمانات المتهم عند استجوابه ، كحريته في الكـلام وحقـه في الصمت ، وحقه في طلب الاستماع لشهود ومناقشتهم ، وحقه في عدم استعمال وسائل غير مشروعة عند استجوابه وعدم تحليفه اليمين،وسنخصص فرعاً مستقلاً لكل ضمانة من هذه الضمانات على التوالي :
الفرع الأول : الضمانات الإجرائية المتعلقة باستجواب المتهم
الضمانات الإجرائية المتعلقة بالاستجواب الهدف منها الحفاظ على الحرية الشخصية للمتهم من أن تمس بسوء خلافاً للقانون ، وهي ثمرة موازنة المشرع بين ضرورة الاستجواب كإجراء مهم من إجراءات التحقيق من جهة ، وبين قرينة الــبراءة (Province of Innocence) حيث أنه لا يزال بريئاً في نظر القانون ، وهكذا فإن المشرع حدد المدة التي يجب استجواب المتهم خلالها كما حدد الجهات التي لها الحق في استجواب المتهم .هذه الضمانات الإجرائية ستكون محور بحثنا في هذا الفرع وفي فقرتين مستقلتين :
أولاً- ضمانات تتعلق بالمدة :
من الضمانات الأساسية للحرية الشخصية الإسراع في استجواب المتهم ، والعلة في ذلك هي أن الاستجواب يُعد وسيلة مهمة من وسائل الدفاع التي يستطيع من خلالها المتهم دحض الاتهامات المنسوبة ُ إليه ، لذا يجب عدم تأخير هذا الإجراء قدر الإمكان .
بالإضافة إلى ما تقدم فإن إجراء الاستجواب على وجه السرعة له فوائد كثيرة للمتهم ولسير العدالة على حد سواء ، فمن فوائده للمتهم كونه يمكنه من أن يتعرف على الأسباب التي دعت إلى الاشتباه به واستدعاءه أمام السلطات التحقيقية ، ومن ثم يستطيع ممارسة حقـه في الدفاع عن نفسه ، فكما هو معلوم مدى القسوة التي يعـانيها المتهم عندما يبقى مدة طويلة دون أن يعلم ما هي الاتهامات المنسوبة إليه ، أو عندما يعلم بها ولكن لا تتاح لـه الفرصة في الرد عليها ، فسرعة الاستجواب تسـاعد المتهم على إبداء دفاعه في وقـت مبكر لتفنيد ما قام ضده من أدلة ، وبذلك يستطيع التخلص من الأثر السيئ الذي يلحق بسمعته وحريته نتيجة بقاء تلك الاتهامات مسلطة عليه لفترة طويلة ( ).
أما فوائده لتحقيق العدالة ، فتتمثل بالنتائج الجيدة التي يحققها للسلطة القائمة بالتحقيق ، ذلك أنه كلما زادت الفترة الفاصلة بين وقوع الجريمة واستجواب المتهم ، كلما زادت فرصة المتهم – إن كان مذنباً- في تلفيق دفاعه وحَبْكِه بصورة مقنعة ، في حين أن أقواله التي تُسمع في وقت قريب من ارتكاب الجريمة تكون أقرب للحقيقة وبعيدة عن التحوير والتلفيق( ).
لذلك جعل المشرع العراقي الإسراع في الاستجواب من المبادئ الأساسية التي استلزمها عند اتخاذ هذا الإجراء من قبل الجهات المخولة بذلك ، حيث نصت المادة (123) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بأنه : ((على قاضي التحقيق أو المحقق أن يستجوب المتهم خلال أربع وعشرين ساعة من حضوره …)). وهكذا فإن المشرع العراقي اعتبر الإسراع في استجواب المتهم وجوبياً على قاضي التحقيق أو المحقق حيث استخدم كلمة (على )وهي تدل على الوجوب كما هو معروفٌ في اللغة العربية ،وهو اتجاه سليم ينم عن سياسة جنائية صائبة ، تعبر عن إدراك المشرع بالفوائد الجمَّة للإسراع في استجواب المتهم ، حيث بيتن لنا المذكرة الإيضاحية لقانون أصول المحاكمات الجزائية الغاية من ذلك بأنه : ( ..لتوفير جو من الحرية للمتهم في أن يدلي بإقراره ، ولتثبيت إقراره بصورة دقيقة لا يتطرق إليها الشك ) .
وبالرغم من أن نص المادة (123) من قانون أصول المحاكمات الجزائية جاء إلزامياً ،فإن بعض قضاة التحقيق والمحققين لا يتقيدون بما ألزمهم به المشرع عند قيامهم بهذا الإجراء التحقيقي ، هذا الأمر طُرح في الندوة الخاصة بالهيئات التحقيقية ، حيث دعت الفقرة (رابعاً/2) من ورقة العمل الصادرة عن هذه الندوة إلى : ((2-الالتزام بنص المادة (123) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي أُجبت على قاضي التحقيق أو المحقق أن يستجوب المتهم خلال (24) ساعة من حضوره ، وعدم تركه رهن مشيئة القائم بالتحقيق وما ينتج عن ذلك من ضياع الكثير من الأدلة والحقائق نتيجة التأخير في الاستجواب وفسح المجال للتلقين والتأثير )).
ونحن بدورنا نضم صوتنا إلى هذه الدعوة ، أعمالاً لنصوص القانون وتحقيقاً للغايات السامية التي أرادها المشرع .
ثانياً- ضمانات تتعلق بالجهات المخولة بالاستجواب
بالنظر لأهمية الاستجواب وخطورته على الحرية الشخصية للأفراد ، كان لزاماً على المشرع إحاطة المتهم بضمانات تحمي حريته وتصونها عند استجوابه …ولعل من أهم هذه الضمانات هو أن يعهد بهذا الإجراء إلى سلطة لها من الاستقلال والكفاءة ما تجعلها محلاً للثقة والاطمئنان ، لذا تتجه التشريعات الجنائية المعاصرة إلى حصر هذا الحق بالجهات القضائية أو بالمحققين (في بعض الأحيان) ، وهذا ما آخذ به المشرع العراقي في المادة ( 123) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية ، أما أعضاء الضبط القضائي ( )بصفتهم سلطة جمع الاستدلال فَلَم يُجز لهم القانون ذلك ، في الوقت الذي أوجب عليهم في حالة تلقيهم إخبار عن جريمة مشهودة أو اتصل علمهم بها أن يسأل المتهم –إن كان موجوداً- عن التهمة المسندة إليه شفوياً ، ومن المعلوم أن سؤال المتهم يخلف عن استجوابه ، فهو إجراء بمقتضاه توجه التُهَمُ إلى المتهم ، ويتم تثبيت أقواله بشأنها دون مناقشته فيها ولا مواجهته بالأدلة القائمة قِبله ( ) ، فهو إجراء يملكه قاضي التحقيق والمحقق كما يملكه عضو الضبط القضائي ، لأنه إجراء من إجراءات جمع الاستدلال لا التحقيق ، حيث نصت المادة (43) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية على أنه : ((على عضو الضبط في حدود اختصاصاته المبينة في المادة (39) إذا أُخبر عن جريمة مشهودة أو اتصل علمه بها أن يخبر قاضي التحقيق والإدعاء العام وقوعها ، وينتقل فوراً إلى محل الحادثة، ويدون إفادة المجنى عليه ، ويسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه شفوياً …. ))، كما نصت الفقرة (ب) من المادة (52) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية على أنه ((ب- يجري الكشف من قبل المحقق أو القاضي في مكان وقوع الحادثة لاتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في المادة (43) …)) ، وعليه فإن الاستجواب بخلاف سؤال المتهم يقتصر إجراءه من قبل قاضي التحقيق والمحقق فقط ، ويكون بتدوين أقوال المتهم في محضر يوقعه المتهم والقاضي أو المحقق ، فإذا امتنع المتهم عن التوقيع يُثَبِّتُ ذلـك في المحضر ( ).
وبالرغم من أن المشرع أجاز للمحقق استجواب المتهم إلا أنه عاد فأوجب تدوينه من قبل قاضي التحقيق في حالة ما إذا تضمنت إفادة المتهم إقراراً بارتكابه الجريمة ، وحسناً فعل المشرع بذلك فالقاضي هو الجهة الأكثر اطمئناناً لصحة صدور الاعتراف وما يمثله من خطورة على الحرية الشخصية للمتهم .وبالرغم من أن المشرع قد أوجب ذلك على قضاة التحقيق إلا أن الواقع العملي يشير إلى وقوع العديد من المخالفات ، حيث يقوم بعض المحققين باستجواب المتهمين وأخذ اعترافاتهم ومن ثم تدوينها بإسم القاضي تحايلاً والتفافاً على نصوص القانون ،ة وهو أمرٌ نبهت إليه الفقرة (رابعاً/4) من ورقة عمل ندوة الهيئات القضائية حيث نصت على أنه : ((4-الالتزام بنص المادة (128) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية التي أوجبت تدوين أقوال المتهمين من قبل قضاة التحقيق حيث نصت (إذا تضمنت إفادة المتهم إقراراً بارتكابه جريمة فعلى القاضي تدوينها بنفسه وتلاوتها عليه بعد الفراغ منها ) ، و عدم تدوينها من قبل المحقق العدلي في مقرات المحاكم و بإسم قاضي التحقيق لأن هذا الأسلوب يثير الكثير من الطعون ويترك المتهم عرضة للتلقين والتأثير من قبل ذوي العلاقة ووكلائهم من المحامين وحتى من قبل أفراد الشرطة الذين يصاحبون المتهم عند تدوين أقواله ،إضافةً إلى قصور تلك الإفادات وعدم دقتها لقلة خبرة المحققين العدليين وعدم كفاءتهم التحقيقية )).
الفرع الثاني : ضمانات المتهم عند الاستجواب
بما أن الاستجواب -كما قلبنا سابقاً- طريقُ دفاع وطريق اتهام في آن واحد فلابد من إحاطته بضمانات إجرائية عند القيام به ، تكفل تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه لدحض الاتهامات الموجهة إليه ، وتضمن أن لا يستغل (الاستجواب ) للحصول على اعتراف كاذب من المتهم ، وهذه الضمانات من شأنها أيضاً أن تؤمن حصول الاستجواب بشكل قانوني سليم .
لكل ما تقدم درجت التشريعات الجنائية على إحاطة الاستجواب بضمانات مهمة عند القيام به ، ولعل من أهمها إحاطة المتهم علماً بالجريمة المنسوبة إليه ، وحرية المتهم في الكلام وحقه في الصمت وعدم جواز استعمال وسائل غير مشروعة ضده لانتزاع اعترافِ منه ، إضافة إلى حق المتهم في طلب الاستماع إلى شهود ومناقشتهم ، وتلك بمجموعها تُشكَّل (ضمانات المتهم عند الاستجواب)كونها ضمانات للمتهم عند اتخاذ إجراءات الاستجواب بحقه ، وسنحاول في هذا الفرع من البحث تسليط الضوء على هذه الضمانات في ثلاث فقرات مستقلة.
أولاً- إحاطة المتهم علماً بالجريمة المنسوبة إليه :
يقصد بهذا الضمان ، أن على القائم بالاستجواب أن يُعلم –بعد التَثَبُت من شخصيتهِ بجميع الأفعال المنسوبة إليه ، وأن لا يُغفل واقعة من تلك التي يجري التحقيق بسببها ( ) ، ويعد هذا الإجراء من أقدم الضمانات بهذا الصدد فقد عرفته الشريعة الإسلامية الغراء منذ أكثر من أربعة عشر قرناً ،حيث دَرَجَ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم –باعتباره أول قاضِ في الإسلام- على إحاطة المتهمين علمناً بالجريمة المنسوبة إليهم ( )،من ذلك ماورد في حديث صفوان بن أُمية إنه طاف بالبيت وصلَّى ثم لّفَّ رداءً له من بُردٍ فوضعه تحت رأسهِ ، فنامَ فأتاه لِصٌ فاستلهُ من تحت رأسه، فأتى به إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال: (( إنَّ هذا سرق ردائي)) ، فقال النبي له : (( أَسَرَقْتَ رِدَاءَ هَذا _ وأشار إلى صَفوان - ؟)) قال : ((نعم)) فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم ((اذهبا به فاقطعا يده)) ( )…وكذلك فعل عليه الصلاة والسلام مع ماعز عندما جاء إليه مُقِراً بالزنا ، فَبَيَّنَ لَهُ جريمته ووصفها لَهُ ، فأكد اقرارهُ بها ، فأَمَرَ النبي بإقامة الحَدِ عليه ( ).
والجدير بالذكر إنه لا يكفي مجرد إحاطة المتهم علماً بالتهمة المنسوبة إليه، بل يجب فوق ذلك تبصيره بأدلة الاتهام القائمة ضده ، والكاشفة عن صلته بهذه الواقعة ( )، ويجب أن تكون هذه الإحاطة حقيقية دون تغيير وإلا إنعدمت أمانة سلطةُ التحقيق في إيضاحها للتهمة مما يبطل معها الاستجواب( ).ومع ذلك فإن المحقق غير مُلزم بذكر تفاصيـل الوقـائع المنسوبة إلى المتهم بل يكفي أن يُلخصها لهُ ، كما لا يتوجب على المحقق إحاطة المتهم علماً بالوصف القانوني للوقائع المنسوبة إليه ، إذ قد تظهر ظروفاً من شأنها أن تُغيير هذا الوصف، فإذا أغفل المحقق ذلك فإنه لا يقدح بصحة الاستجواب ، ومع ذلك فإننا نرى أن من الأفضل ذكر الأوصاف القانونية للأفعال المنسوبة إلى المتهم إلى جانب الوقائع التي تضمنتها .
وتتجلى أهمية إحاطة المتهم علماً بالجريمة المنسوبة إليه ، والأدلة المتوفرة قِبلَهُ ، في كون تلك الإحاطة تُعَدَّ من الأمور الضرورية لصحة ما يُبديه المتهم من أقوال واعترافات فيما بعد ( ) ، فضلاً عن أنها تُمكِّن المتهم من تهيئة دفاعه بنفسه أو بواسطة محاميه إذا استلزم الأمرُ ذلك ، لأنه لا يمكن للمتهم من أن يناقش الأدلة القائمة ضده ويدافع عن نفسه ما لم يكن قد أُحيط علماً بما هو منسوبُ إليهِ.
ونظراً لهذه الأهمية المتميزة لهذه الضمانة المهمة من ضمانات الحرية الشخصية عند استجواب المتهم ، فقد أكدت التشريعات الجنائية المعاصرة عليها ، ومن ذلك المادة (123) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية التي نصت على أنه : ((على قاضي التحقيق أو المحقق أن يستجوب المتهم خلال أربع وعشرين ساعة من حضوره بعد التَثَبُتِ من شخصيته و إحاطته علماً بالجريمة المنسوبة إليه ))ومن الجدير بالملاحظة أن بعض التشريعات العربية المقارنة لم تكتفِ بالنص صراحة على مسألة إحاطة المتهم علماً بالجريمة المنسوبة إليه ، وإنما رتبت جزاء البطلان إذا أغفل المحقق ذلك ، من تلك التشريعات ما نصت عليه ،
ونحن بدورنا نرجح ما ذهبت إليه التشريعات ، وندعو المشرع العراقي إلى تعديل المادة (123) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية باعتبار الاستجواب باطلاً إذا تم من دون إحاطة المتهم علماً بالجريمة المنسوبة إليه ، ذلك أن إغفال مثل هذا الإجراء المهم يُعد خرقاً لأحكام القانون و انتهاكاً لضمانا الحرية الشخصية للمتهم عند استجوابه .
ثانياً_ حق المتهم في طلب الاستماع لشهود ومناقشتهم.
تُعَدُّ الشهادة من الأدلة الهامة في الدعوى الجنائية ، لا بل إنها عماد الإثبات فيها لأنها تقع في أكثر الأوقات على وقائع مادية لا تثبت في مستندات ، وليس الشأن في المسائل الجنائية كالمسائل المدنية التي تحصل غالباً بناء على اتفاق بين الخصوم يُدرَجُ في محرر ، فالجريمة عندما تقع لا يمكن تصور وجود اتفاق بين الجاني و المجنى عليه على ارتكابها كما لا يمكن إثباتها مقدماً وإقامة الدليل عليها، كثيراً ما تُميط الشهادة اللثام عن المجرم ، أو أن تُبريءَ ساحة المتهم فتاكون لها الغلبة في بعض الأحيان وعليها يترتب الحكم بالإدانة أو البراءة .
وبالنظر لخطورة وأهمية الشهادة في الإثبات الجنائي كان لزاماً أن يُعطى الحث للمتهم في أن يبدي أقواله في أي وقت بعد سماع أقوال أي شاهد ، وذلك لأن المتهم عند استجوابه يجب أن يحاط علماً بما أُسند إليه ، كما أن من الضمانات المهمة للحرية الشخصية هي إتاحة الفرصة للمتهم في مناقشة الشهود ، وذلك لتقديم ما لديه من أقوال تدحض ما قد يتقدمون به ضده ، من شهادة قد تكون غير صحيحة ،كما أن من مقتضيات حق الدفاع لمتهم أن يطلب استدعاء الشهود لهذا الغرض ، و انسجاماً مع ذلك فقد أكدت المادة (124) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية على هذه الضمانة الهامة حيث نصت على أنه : ((للمتهم الحق في أن يبدي أقوال في أي وقت بعد سماع أقوال أي شاهد ، وأن يناقشه أو يطلب استدعاءه لهذا الغـرض )).
ثالثاً-حق المتهم في إبداء أقواله في حرية تامة و عدم استعمال وسائل غير مشروعة في استجوابه.
من الضمانات الأساسية لحرية المتهم عند استجوابه هي حريته التامة في الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليه من قبل القائم بالتحقيق ، وحقه فقي التزام الصمت إذا شاء ، لأن الموقف يخضع لتقديره الخاص ، ولا عقاب عليه إذا امتنع عن الإجابة على أي سؤال ( )،وقد أكدت على هذه الضمانة الهامة العديد من المؤتمرات الدولية ومنها التوصية الصادرة عنة المؤتمر الدولي الثاني عشر الذي عقدته الجمعية الدولية لقانون العقوبات بمدينة هامبورغ الألمانية عام 1976 حيث نصت على أنه : (( التزام الصمت حقٌ مقررٌ لكل متهم في جريمة منصوص عليها في قانون العقوبات ويجب إعلام المتهم بهذا الحق ))( ).وهذا ما أكد عليه قانون أصـول المحاكمات الجزائية العراقي الصادر قبل ذلكم المؤتمر بخمس سنوات حيث نصت الفقرة (ب) من المادة (126) على أنه ((لا يجبر المتهم على الإجابة عن الأسئلة التي توجـه إليه )).
كما أن حماية الحرية الشخصية للمتهم أثناء الاستجواب تستلزم بالضرورة عدم استعمال وسائل غير مشروعة في استجوابه بُغية انتزاع الاعتراف منه ،فمن السهولة أن يُجبر المتهم على الكلام ولكن ليس من السهل أن يقول الحقيقة ( )،وكثيراً ما أدت الوسائل غير المشروعة إلى اعترافات لمتهمين أبرياء ، أو إلى اعترافات مغايرة للحقيقة .وتتـخذ هذه الوسـائل صوراً عديدة منها ما تمس سلامة جسم الإنسان ، ومنها ما تمس نفسه بالأذى . وهذه الوسائل تَشُلُّ الإرادة أو تضعفها وتحدث آلام جسمية ونفسية بدرجات متفاوتـة حسب طبيعة تلك الوسائل ودرجة جسام استخدامها عملياً ، وقد منع المشرع العراقي اللـجوء إلى تلك الوسائل حيث نصت المادة(127) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية على أنه (( لا يجوز اسـتعمال وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على إقراره . ويعتبر من الوسائل غير المشـروعة إساءة المعاملة والتهديد بالإيذاء والإغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير ))،كمما نصت الفقرة (أ) من المادة (126) من القانون ذاته عل أنه ((لا يحلف المتهم اليمين إلا إذا كان في مقام الشهادة على غيره من المتهمين )).ويمكن إدراج الحالات التي نص المشرع العراقي على عدم جواز استخدامها في الاستجواب في صورٍ ثلاثة هي الإكـراه المادي والإكراه المعنوي والتأثـير الأدبي ( ).ويتمثل الإكراه المادي بالاعتداء بقوة مادية لا قِبَلَ للمنهم بمقاومتها ، فتنعدم حرية الاختيار لديه ، أو تتأثر نسبياً ، فتكون الإرادة معيبة ولا قيمة لإقرار وأقوال المتهم الصادرة نتيجة لها وبغض النظر عن مقدار الألم .
ويُعَدُّ التعذيب أَشَدُّ أنواع الإكراه المادي وأكـثرها شيوعاً وخـطورة علـى الحريـة الشخصية للمتهم ، فكثيراً ما تدفع شخصاً بريئاً للاعـتراف لكي يتخلص من آلامـه .حيث يلجأ لهذه الوسيلة المحققون العاجزون لإخفاء عـدم كفاءتهم وقصورهـم في التحقيق والتهرب من بذل الجهود التي يستلزمها مواصلة البحث عن الأدلة الموضوعية السليمة .
والإكراه المادي يُبطل الإقرار الصادر عن المتهم حيث نصت المادة (218) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية على أنه : ((يشترط في الإقرار أن لا يكون قد صَدَرَ نتيجة إكراه مادي … )). ويُعَدُّ الإكراه المادي مبطلاً للأقوال والاعترافات سواءٌ أكان مباشراً كضرب المتهم وكيِّهِ وتمزيق ملابسه ، أو غير مباشراً كتعريض المتهم لأحوال معيشية رديئة مثل وضعه في زنزانة مظلمة لمدة طويلة ومنعه من مواجهة أهله وحرمانه من الغطاء من الدواء .
وبالإضافة إلى بطلان الاعتراف فإن الإكراه المادي يُعَدُّ في حَدِّ ذاته جريمة تستوجب العقاب بموجب أحكام المادة(332)من قانون العقوبات التي تنص على أنه : ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار( ) أو بإحدى هاتين العقوبتين :- كل موظف أو مكلف بخدمة عامة استعمل القسوة مع أحد من الناس اعتماداً على وظيـفته فأخل باعتباره أو شرفه أو أحدث ألماً ببدنه وذلك دون الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها القانون ))، والمادة (333) من قانون العقوبات التي تنص على أنه : ((يعاقب بالسجن أو الحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عَذَبَ أو أَمَرَ بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو الإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها أو لكتمان أًمر من الأمور لإعطاء رأي معين بشأنها )).
أما الإكراه المعنوي فيكون في هيئة التهديد قولاً وفعلاً بقصد التأثير على الإرادة وجعلها تتجه في طريق معين على غير رغبة الشخص دون أن يُلغي حُرية الاختيار ، فمن المعلوم أن التهديد يختلف أثره من شخص لآخر بالنسبة لاختلاف السن والجنس ودرجة التعليم والخبرة والبيئة ، وكذلك بالنسبة للاعتياد وعدمه على موقف الاتهام ، فأثره على المتهم لأول مرة يختلف على أثره على من اعتاد موقف الاتهام ، إذ أن المجرم المعتاد لا يتأثر في العادة بالتهديد الذي يَمُسُّ شخصيته كالتهديد بالتعذيب وحرمانه من الطعام والشراب ، ولكن إذا كان التهديد يَمُسُّ أشخاص ً أعزاء عليه كوالديه أو زوجته أو أولاده فإنه من الغالب أن يضعف أمام ذلك التهديد ويعترف بارتكابه الجريمة( ).
وقد منع المشرع العراقي استعمال الإكراه الأدبي لحمل المتهم على الإدلاء بأقواله ومن صورها الواردة في المادة 127 من قانون أُصول المحاكمات الجزائية التهديد بالإيذاء والوعيد ، كما أن المادة 218 من القانون ذاته اشترطت لصحة الإقرار أن لا يكون صادراً نتيجة إكراهٍ أدبي ، وأعتبر المشرع العراقي هذا الفعل يُشَكِلُ جريمة بحد ذاته عاقب عليه بموجب المادة 333 من قانون العقوبات سالفة الذكر .
أما التأثير الأدبي فيتخذ صورٌ عِدَة من أهمها الوعد والإغراء و تحليف المتهم اليمين ، ويقصد بالوعد تعمد بعث الأمل لدى المتهم في شيء يتحسن به مركزه أو ظروفه ، ويكون لهُ أثرهُ على حرية المتهم في الاختيار بين الإنكار والإقرار ، ويُحتمل أن يَحمُل المتهم إلى أن يعترف اعترافاً غير حقيقياً أملاً في المنفعة التي وُعِدَ بها فيما إذا أعترف بارتكابه الجريمة ، ولكي يُبطِل الوعد الاعتراف الصادر عن المتهم يجب أن يتوفر فيه الشروط الآتية :
1-صدوره م شخص لهُ نفوذ وسلطة في الدعوى بحيث يستطيع أن يُنجِز ما وَعَدَ به ، أو على الأقل يساعد على تحقيقه بأية كيفية كالمحقق وعضو الإدعاء العام وضابط الشرطة.
2-أن يتعلق بشأن هام ، بحيث يصعب على الشخص العادي مقاومته ومن شأنه أن يدفعه إلى الاعتراف .
وقد عَدَّت المادة 127 من قانون أُصول المحاكمات الجزائية الوعد والإغراء من الوسائل غير المشروعة في الاستجواب ، وهو ما انتقده بعض الفقه واعتبر أن المصطلحين مترادفين ، غير أننا نرى أن اتجاه المشرع العراقي صحيح لوجود فرق بين المصطلحين ، فالوعد يكون بعرض الأمل بفائدة صادرة من الواعد قد يحققها أو لا يحققها ، بينما الإغراء هو عرض أمل الفائدة قد تأتي تلقائياً للمتهم من جراء تغيير موقفه -أي الإدلاء بأقواله أو اعترافاته- دون أن يكون للواعد أي دور في أحداث تلك النتيجة ( ).
والملاحظ أن المادتين 332 و333 من قانون العقوبات جاءت خالية من ذكر الوعد والإغراء باعتبارهما نوعٌ من إساءة استعمال السلطة ، لذلك فإن القيام بمثل هذا العمل يكيف وفق أحكام المادة 331 من القانون ذاته( ) والتي نصت عل أنه : ((يعاقب بالحبس أو الغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين :
كل موظف أو مكلف بخدمة عامة ارتكب عمداً ما يخالف واجبات وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها بقصد الإضرار بمصلحة أحد الأفراد أو بقصد منفعة شخص على حساب آخر أو على حساب الدولة )).
ويُعّدُّ تحليف المتهم اليمين صورة من صور التأثير الأدبي في إرادة المتهم ، كونه يضعه في موقف مُحرج قد يضعه بين خيارين فإما أن يكذب ويُنكر الحقيقة أو يُضحي بنفسه ويعترف ولهذا فمن القسوة وضع المتهم بين مصلحته في حلف اليمين كذباً فيخالف معتقداته الدينية والأخلاقية ، وبين أن يقرر الحقيقة ويتهم نفسه ويعرضها لعقوبة .
وقد استقر الفقه على أن مخالفة تلك القاعدة يعيب الاستجواب على اعتبار أنها تؤثر على حرية دفاع المتهم عن نفسه فَتُعَدُّ أقواله باطلة ،وقد صَرَّحَ المشرع العراقي بذلك في الفقرة (أ) من المادة(126) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية حيث منع تحليف المتهم اليمين إلا إذا كان في مقام الشهادة على غيره من المتهمين .
وإذا كانت الصور المتقدمة بمجموعها تمثل الوسائل غير المشروعة في الاستجواب فإن المشرع أجاز عرض العفو على المتهم في جناية بقصد الحصول على شهادته ضد مرتكبيها ، وبذلك فإن عرض العفو على المتهم بالرغم من تأثيره على إرادة المتهم فإنه يُعَدُّ من الوسائل المشروعة ، فالحالة القانونية لعرض العفو عن المتهم تختلف عن حالة الوعد غير المشروع ، ذلك لأن عرض العفو هو تخويل قانوني للسلطة القضائية أخذ به المشرع العراقي في المادة (129) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية ونظم أحكامه بفقراتها الثلاث( ) بما يضفي صفة الشرعية على مثل هذا الإجراء .
والملاحظ على اتجاه المشرع العراقي ، هو عدم منح محكمة الجنايات سلطة عرض العفو عن المتهم ، ربما لتصور المشرع أن القضية بعد إحالتها على المحكمة تكون قد خرجت من طور الغموض فلا حاجة لعرض العفو عن المتهم للحصول على شهادته ، وإن القضية الغامضة أمنا أن تَبْقَ رهن التحقيق أو تُغلق مؤقتاً ( )،إلا أننا نُحبذ الاتجاه الذي كان عليه قانون أُصول المحاكمات الجزائية البغدادي (الملغي ) والذي كان يمنح محاكم الجزاء الكبرى ( الجنايات) تلك الصلاحية ، وذلك لأن بعض القضايا أحياناً تتوافر فيها أدلة تكفي للإحالة ولا تكفي للإدانة ، أو أن هناك قضايا يكتنفها الغموض في بعض جوانبها ، فبعد عرض العفو على المتهم تستجد أدلة أُخرى تساعد في إظهار الحقيقة وإحقاق الحق ، لذا ندعو المشرع العراقي إلى تعديل المـادة (129) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية بإناطة سلطة العفو برئيس محكمة الجنايات أيضاً .
والملاحظة التي تثور هنا باستقراء الواقع العملي ، هي أن عرض العفو على المتهم بالرغم من أهميته الكبيرة ، وما قد يثمر عن نتائج إيجابية في التحقيق ، إلا أن تطبيقه م قبل قضاة التحقيق هو أمرٌ نادرٌ جداً ، مما يقتضي التعميم إلى قضاة التحقيق بتطبيق أحكام المادة (129) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية كلما كان ذلك مفيداً لسير التحقيق .
فبراير 7, 2018
460 views
ومن تكريم الشريعة الإسلامية للإنسان احترام وحماية حياته الخاصة ، كنأمين وحرمة مسكنه ، وحرمة التجسس على حياته الخاصة ، وبيان ذلك في الآتي :
: مظاهر تأمين وحماية الحياة الخاصة في الشريعة الإسلامية :
أمنت الشريعة الإسلامية ، وحماية خصوصيات الإنسان فلا يقتحم مسكنه أحد ولا يدخله إلا بإذنه ، ولا يتجسس عليه أحد ومظاهر ذلك في الآتي :
أ - تأمين وحرمة المسكن :
كون البيت الذي يتخذه الإنسان هو من خصوصياته التي لا يحق للغير التجاوز عليها، وذلك أن المنزل يحتوي عرض الإنسان الذي يعتبر اعز الأشياء عنده، علاوة على خصوصياته التي لا يحب أن يطلع الغير عليها .
1 . تحريم اقتحام المساكن :
من صوره أيضًا اقتحام البيوت، والخلوات بحجة ضبط من فيها متلبسين بالمعصية ، ولا شك أنَّ هذا مما لا يبيحه الشرع ولا يقبله ، قال الله تعالى : ( ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها، ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها) البقرة /189.
2 . عدم الدخول إلا بإذن :
ومن مقتضيات حرمة المنزل هو احترام طريقة دخول منزل الغير، فلا يحق للإنسان دخول بيت غيره بدون إذنه ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكّرون) النور 24-
ب: حرمة التجسس على الحياة الخاصة :
التجسس :
هو أن يتتبع الإنسان أخاه ليطلع على عوراته سواء كان ذلك عن طريق مباشر بأن يذهب هو بنفسه يتجسس، أو كان عن طريق الآلات المستخدمة في حفظ الصوت أو غير ذلك فهو محرم ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا " الحجرات : 12 .
ومن صور التجسس الممنوع :
1 . الاستماع المباشر للمرء إلى حديث قوم وهم له كارهون :
فقد تُوُعِّدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك بأنه سيصبُّ في أذنه الآنك يوم القيامة بسبب فعلته ، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة) .
2 . التنصت على هواتف الناس ومكالماتهم :
فهو يأخذ حكم التجسس ويكون حكمه حكم التسمع إلى حديث قوم وهم كارهون؛ لأنَّ العادة أنَّ الناس لا يريدون أن يطلع على مكالمتهم أحد، والذي يتنصت على هواتف الناس بهذا المعنى يدخل تحت الوعيد .
فبراير 5, 2018
348 views
بطلان حكم التحكيم د حسن عبد الباسط جميعى
في ضوء أحكام القانون رقم 27لسنة 94
بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية
مقدمــــة
مما لا شك فيه أن التطور الاقتصادي الذي تشهده مصر في الفترة الأخيرة ممثلاً في الانفتاح على العام الخارجي وجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتشجيع المصدرين والمستوردين وتدعيم الصناعات المحلية وفتح أسواق جديدة كــــان له أثر كبير على المشرع المصري مما دفعه لإصدار القانون رقم 27 لسنة 94 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية لهذا تم إصدار هذا التشريع في شكل قانوني خاص يهدف إلي جمع وتنظيم جميع المسائل المتعلقة بالتحكيم بعد أن كان يعالج ضمن قواعد قانون المرافعات المدنية والتجارية .
وجدير بالذكر أن مصر تعد من البلدان التي لم تكن فكرة اعتبار التحكيم وسيله من وسائل فض المنازعات بعيدة عنها . بل أن قانون المرافعات المدنية و التجارية الصادر بالأمر العالي في 13 نوفمبر سنة 1883 كان قد أحتوى ضمن فصوله على فصل أفرده المشرع لتنظيم مسائل التحكيم , ثم أعقب ذلك قانون المرافعات المدنية و التجارية رقم77 لسنة49 الذي أفرد بدوره باباً خاصاً للتحكيم هو الباب الثالث من الكتاب الثالث .
وإذا كانت الحاجة إلي الالتجاء إلى التحكيم لم تظهر أهميتها ولم تنتشر على نحو ما هي عليه الآن فإن ذلك يرجع إلى عدة أمور من أهمها المشكلات والعقبات التي صادفت جهة الاختصاص الأصيل بنظر المنازعة وهي القضاء على نوعيه (العادي والإداري) وأدت إلي بطئ إجراءات التقاضي وتعثر الحصول علي الحق وعدم الثقة في ذلك ومن ناحية أخري فقد قابل ذلك وضوح أهمية التحكيم بوصفه طريقاً مختصراً لحل المنازعات وبصفة خاصة مع الأخذ في الاعتبار عامل الوقت الذي يعد المحرك الأساسي لتنشيط حركة الاستثمار المرجوة داخل مصر، فكلما تقلصت الفترة التي تنعقد وتنهى فيها الخصومة كلما زاد نمو الاستثمار والعكس صحيح .
وإذ تخيرت موضوع انعقاد الخصومة في التحكيم ليكون محور الجزء الأول من هذا البحث فإن ذلك لما يتميز به من أهمية من الناحية الإجرائية .
كما وان موضوع بطلان حكم التحكيم لا يقل من حيث الأهمية عن الموضوع الأول لذا تناولته بشيء من التفصيل في الجزء الثاني من هذا البحث.
ونتناول فيما يلي أولا بعض أهم الملاحظات التي تتعلق بالنصوص التشريعية في مجال انعقاد الخصومة . على التفصيل :
- أسباب البطلان التي تتعلق باتفاق التحكيم أسباب البطلان التي تتعلق بضمانات حق التقاضى .
- أسباب البطلان التي تتعلق باستبعاد حكم التحكيم للقانون الذى اتفق الطرفان علي تطبيقه .
- أسباب البطلان التي تتعلق بحكم التحكيم أو باجراءات حكم التحكيم .
- أسباب البطلان التي تتعلق بالنظام العام .
- ميعاد إقامة دعوى البطلان .
- المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان .
بطلان حكم التحكيم
بادئ ذي بدء يجب التنويه إلي أن رفع دعوى البطلان على حكم التحكيم لا يعد وسيلة من وسائل الطعن على هذا الحكم إذ أن ذلك خطأ شائع في الأوساط القانونية، فحكم التحكيم يولد نهائيا غير قابلا للطعن علية بأية طريق من طرق الطعن سواء العادية أو غير العادية، ذلك أن أحكام التحكيم الصادرة وفقاًَ لأحكام القانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها بقانون المرافعات المدنية والتجارية، أعمالا لنص المادة 52 /1 من قانون التحكيم التي تنص على أنه:
"1- لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون لطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية " .
ومن هذا النص يمكننا القول أن المشرع قطع السبيل أمام وصول أحكام التحكيم إلى محكمة النقض لترسي بشأنها مبادئها أو لتتحقق من عدم خروج هيئة التحكيم عن حدود القانون في حالة ما إذا كانت الهيئة مقيدة به . ولم يعد من سبيل آخر لوصول تلك الأحكام إلي محكمة النقض غير ذلك الذي يكون في حالة ما إذا طعن بطريق النقض على الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في دعوى البطلان التي يمكن أقامتها على حكم التحكيم .
الأحوال التي يجوز فيها إقامة دعوى بطلان حكم التحكيم
تنص المادة 52/2 على أنه
"2- يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقاً للأحكام المبينة في المادتين التاليتين" .
كما تنص المادة 53 على أنه:
"1- لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية:
أ- إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلاً أو قابلا للإبطال أو سقط بانتهاء مدته .
ب- إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته .
ج- إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلانا صحيحاً بتعيين محكما أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارجاً عن أرادته .
د- إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع .
هـ- إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين .
و- إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق . ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له فلا يقع البطلان ألا علي الأجزاء الأخيرة وحدها .
ز- إذا وقع بطلان في حكم التحكيم، أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا اثر في الحكم .
1- وتقضى المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية ."
من نص المادة سالفة البيان يمكننا القول أن المشرع جعل جزاء الحكم بعدم القبول هو الجزاء المستحق لكل دعوى بطلان حكم تحكيم تقام بالمخالفة للأحوال المنصوص عليها بنص تلك المادة .
ويلاحظ أن دعوى بطلان حكم التحكيم المنصوص عليها بالمادة 53 شأنها شأن باقي الدعاوى يشترط لقبولها بصفة عامه الشروط الواجب توافرها لقبول الدعوى وهى المصلحة والصفة وبالتالي فتلك الدعوى يمكن أقامتها من الغير الذي تتوافر فيه الصفة والمصلحة اللازمين لرفع أي دعوى بصفة عامة إذا ما كان حكم التحكيم يتعلق أو يمس مصلحة له وبشرط توافر حالة من الحالات الخاصة التي نصت عليها المادة 53 من قانون التحكيم .
شروط قبول دعوى البطلان المنصوص عليها بالمادة 53 من قانون التحكيم.
أولا: أسباب البطلان التي تتعلق باتفاق التحكيم وهم:-
عدم وجود اتفاق تحكيم .
بطلان اتفاق التحكيم أو قابليته للبطلان .
سقوط اتفاق التحكيم بانتهاء مدته.
تجاوز حكم التحكيم للمسائل التي شملها اتفاق التحكيم بشرط ألا يمكن الفصل بين أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن الأجزاء الغير خاضعة له وهنا لا يقع البطلان ألا على الأجزاء الأخيرة فقط .
وأسباب البطلان التي تتعلق باتفاق التحكيم سالفة البيان هي تلك التي نصت عليها المادة 53 في فقرتيها ( أ)، (و). ونتناولهم بالدراسة على التفصيل التالي:
بطلان حكم التحكيم بسبب عدم وجود اتفاق تحكيم وبديهي أن عدم وجود اتفاق تحكيم يجعل حكم التحكيم مهيأ لإقامة دعوى البطلان عليه ذلك أن التحكيم بوصفه طريقاً موازيا لطريق التقاضي العادي لا يمكن السير فيه ألا باتفاق طرفي النزاع مسبقاً في صورة اتفاق تحكيم بشأن ما يحددانه في هذا الاتفاق من موضوعات أو في حالة الاتفاق بين طرفي الخصومة بعد وقوع النزاع إلي اللجوء إلي التحكيم وهو ما يسمى بمشارطه التحكيم ولقد نصت المادة 12 من قانون التحكيم على أنه:
"يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا وألا كان باطلا . ويكون اتفاق التحكيم مكتوباً إذا تضمنه محرر وقعه الطرفان أو إذا تضمنه ما تبادله الطرفان من رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة ".
وبذلك فأن بطلان حكم التحكيم لعدم وجود اتفاق تحكيم أمر يتماشى مع فلسفة كون التحكيم اختيارياً لا يجوز اللجوء إليه ألا إذا اتفقت إرادة طرفي النزاع على ذلك وتجدر الإشارة إلى أن كون اتفاق التحكيم لابد وأن يكون مكتوبا لا يتعارض مع إمكانية وجود هذا الشرط في حالة عدم وجود اتفاق مسبق على التحكيم ثم قبل الطرف المحتكم ضده التحكيم وعين محكماً عنه وحضر جلسات التحكيم وأبدى دفاعه وبذلك تكون محاضر الجلسات وإنذارات تعيين المحكم بمثابة اتفاق تحكيم مكتوب ينتفي معه هذا الشرط لإمكان إقامة دعوى البطلان.
ووجود اتفاق تحكيم في حد ذاته لا يؤمن حكم التحكيم من رفع دعوى البطلان بل يجب أن يصدر حكم التحكيم في إطار اتفاق التحكيم فتجاوز حدود هذا الاتفاق تمكن ذي المصلحة من قبول دعوى بطلان احكم التحكيم التي يقيمها عليه .
ولذلك ينصح بدقة صياغة اتفاق التحكيم حتى لا يضطر المحكم التي أعمال جهده نحو تفسير ما ورد باتفاق التحكيم فيخرج عن حدود الاتفاق ويعرض الحكم الصادر عنه للبطلان .
ومن جهة أخرى فأن الخروج عن دائرة اتفاق التحكيم مما يعرض الحكم للبطلان يكون دائما بسبب عدم أعداد المحكم الأعداد الكافي لتولى هذه المهمة بحيث يقوم بأجراء لم يتفق عليه الخصوم أو يهمل إعمال قانون معين اتفق عليه طرفي النزاع ولذلك وفى ضوء التوسع في تفعيل دور التحكيم في إنهاء المنازعات المدنية والتجارية والمنازعات التجارية الدولية يجب تكثيف دورات أعداد المحكمين ورفع ثقافة التحكيم لديهم حتى لا يكون هذا هو العائق أمام استمرارية التحكيم كوسيلة بديله لفض المنازعات .
وليس عدم وجود اتفاق تحكيم فقط هو الذي يؤدى إلى بطلان حكم التحكيم وإنما وجود هذا الاتفاق مع وجود عيب فيه يجعله باطلا أو قابلا للبطلان يجعل حكم التحكيم عرضة لإقامة دعوى البطلان بشأنه .
واتفاق التحكيم شأنه شأن باقي العقود هو في حقيقته اتفاق على إحداث اثر قانوني معين وبالتالي يجب ألا يشوب أهلية أحد المتعاقدين أي عيب أو عارض يؤثر فيها يجعل الاتفاق باطلا أو قابلا للأبطال ويجب كذلك أن تكون صفة كل طرف من طرفي التعاقد ثابتة وصحيحة ويجب كذلك ألا يشوب الرضا جوهر اتفاق التحكيم أي عيب من عيوب الرضا كالغلط أو التدليس مع ملاحظة أن عيوب الرضا لا يجوز التمسك بالبطلان عند توافرها ألا من شرع البطلان لمصلحته .
وأخيرا فأن آخر ما يتعلق باتفاق التحكيم ويجعل حكم التحكيم معرضا للبطلان هو سقوط اتفاق التحكيم بانتهاء مدته، ومدته اتفاق التحكيم كما سبق القول في شأن انعقاد خصومة التحكيم هي أما المدة المتفق عليها في الاتفاق نفسه أو المدة التي حددها القانون سواء كانت مدة الاثنى عشر شهرا من تاريخ بدء إجراءات التحكيم اعتباراً من تاريخ تسلم المحتكم ضده إنذار المحتكم بتعين محكم أو كانت تلك المدة مضافا إليها مدته الستة اشهر الاختيارية لهيئة التحكيم أو المدة التي تحددها المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع عند انتهاء المدة الأصلية وطلب أحد الخصوم مد تلك المدة .
ثانياً : أسباب البطلان التي تتعلق بضمانات حق التقاضي
- إذا تعذر علي أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب إعلانه أعلانا غير صحيحا بتعيين محكما أو لأي سبب آخر خارج عن أرادته .
- إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين .
وأسباب البطلان التي تتعلق بضمانات حق التقاضي سالفة البيان نصت عليها المادة 53 في فقرتيها (ج)، (هـ) ونتناولها بالدراسة على النحو التالي:
أولاً: فيما يتعلق بتعذر تقديم دفاع أي من طرفي الخصومة فأن المشرع أراد أن يؤكد احترام حق الدفاع باعتباره من الحقوق الدستورية الأساسية واعتبر المشرع أن الإعلان إذ تم بشكل غير صحيح يعد قرينة على عدم إمكانية الطرف الذي وجه له من تقديم دفاعه مما يعرض الحكم للبطلان والمقصود بحق الدفاع هو تمكين الخصم من الاطلاع وتقديم المذكرات ومناقشة حجج خصمه .
وثانياً: إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكم على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين كأن يتم تعيين محكم من جنس أو جنسية معينة استبعدها الخصوم .
ثالثاً: أسباب البطلان التي تتعلق باستبعاد حكم التحكيم للقانون الذي اتفق الطرفان على تطبيقه .
وهذه الأسباب هي التي نص عليها المشرع في الفقرة (د) من المادة 53 من قانون التحكيم.
القاعدة أنه إذا اتفق طرفي الخصومة على تطبيق قانون موضوعي معين فأنه يكون هو الواجب التطبيق وإذا لم يتفقا فأن المحكم يطبق القانون الذي يرى أنه اكثر انطباقا علي النزاع .
وبالتالي فأن استبعاد القانون الذي اتفق عليه طرفي النزاع يعد سببا لبطلان حكم التحكيم .
رابعاً: أسباب البطلان التي تتعلق بحكم التحكيم أو بإجراءات حكم التحكيم .
وهذه الأسباب هي التي نص عليها المشرع في الفقرة (ز) من قانون التحكيم .
وبطلان حكم التحكيم قد يرجع إلى عدم ذكر البيانات الجوهرية التي يجب أن تذكر في الحكم أو وجود التناقض في حيثيات الحكم أو لم يوقع اغلب المحكمين على الحكم أو خلوه من تاريخ إصدارة .
والمقصود بوجود بطلان في إجراءات التحكيم اثر في الحكم أن يتوافر أي سبب من أسباب البطلان السالفة أدى إلى إصدار الحكم على نحو باطل كما لو لم يتمكن أي من طرفي النزاع من تقديم دفاعه أو اوجه دفوعه أو حدث انقطاع في إجراءات الخصومة واستمرت معها الهيئة في نظر التحكيم .
خامساً : أسباب البطلان التي تتعلق بالنظام العام.
وهى التي نصت عليها المادة 53 فقرة 2 بحيث كان للمحكمة التي تنظر دعوى البطلان المرفوعة من أي من الطرفين أن تقضى بالبطلان إذا ما تضمن حكم التحكيم ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية وذلك من تلقاء نفسها دون الحاجة إلى تمسك أي من الخصوم بالبطلان كأن يصدر الحكم بالمخافة لنص آمر متعلق بالنظام العام مثلا.
ميعاد إقامة دعوى البطلان
تنص المادة 54 /1 من قانون التحكيم على أنه:
"1- ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم خلال التسعين يوما التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه ، ولا يحول دون قبول دعوى البطلان نزول مدعى البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم . "
من نص المادة آنفة البيان فأن الميعاد الذي يجب أن ترفع دعوى البطلان خلاله هو تسعين يوما من تاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه وليس من تاريخ صدور الحكم.
المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان
تنص المادة 54/2 من قانون التحكيم على انه
"2- تختص بدعوى البطلان في التحكيم التجاري الدولي المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون . وفي غير التحكيم التجاري الدولي يكون الاختصاص لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع " .
محمود حسن فرغلي
موضوع مهم أستاذ ابو غدير ، وعودا حميدا ، لا حرمنا الله من منشوراتك الشيقة
-
أعجبني
3
- فبراير 5, 2018
يناير 31, 2018
243 views
المحاماة ليست مهنه معاونة للقضاء في تحقيق العدالة وإنما هي شريك ايجابي وجزء لا يتجزأ من سلطة العدل ، وليس ذلك ادعاء جاء مشروع قانون السلطة القضائية ليدحضه وليس شرف يزعمه المحامون وتكفل القضاة برده ، وإنما ذلك حق يثبته القانون ويفرضه الواقع .
أما من حيث ثبوته بالقانون فلقد نصت كافة التشريعات العربية على شراكة المحاماة في تحقيق العدالة فقررت المادة الأولى من قانون المحاماة المصري رقم 17 لسـنة 1983 على أن ( المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم ويمارس المحاماة المحامون وحدهم في استقلال ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وأحكام القانون ) .
وقد تقرر المبدأ في المادة الأولى قانون المحاماة في المغرب رقم 79/19 التي جاء فيها ( المحامون جزء من أسرة القضاء ومهنتهم حرة ومستقلة ) ، والمادة الأولى من قانون المحاماة السوري رقم 39 لسنة 1981 التي نصت على أن (المحاماة مهنة علمية فكرية حرة مهمتها التعاون مع القضاء على تحقيق العدالة والدفاع عن حقوق الموكلين وفـق أحكام القانون ) ونفس المعنى تضمنته المادة الأولى من قانون مهنة المحاماة اللبناني رقم 8/70 والمادة الثانية من قانون المحاماة التونسي رقم 37 لسنة 58 .
ومن حيث الواقع فهناك ترابط عضوي بين المحاماة والقضاء ، فالمحامي قد يكون جزءاً لا يتجزأ من المحكمة قد لا تنعقد أساساً إلا بوجوده كما في دوائر محكمة الجنايات وقد نصت الكثير من التشريعات العربية على ذلك .
ومهمة المحامي التعامل مع القاعدة القانونية كيف تفسر وكيف تطبق وتلك هي أيضاً مهمة القاضي ، والحكم القضائي السليم هو الذي يتم التوصل إليه بعد نقاش و حوار بين طرفين هما المحامي والقاضي مهمتهما الوصول إلى الحق وتحقيق العدل .
والقاضي يسطر حكمه ويؤسس قضاءه على حقائق القضية التي بسطها المحامون أمام المحكمة شفاهة في مرافعة أو مكتوبة في مذكرة وعلى ما قدموا من الأدلة والمراجع ذات الصلة بالقضية .
والعلاقة بين المحامي والقاضي أثناء قيامهما بتحقيق العدالة هي الاحترام والتقدير المتبادل ، فعلى القاضي أن يتيح للمحامي إبداء دفاعه ودفوعه واعتراضاته بكل حرية وأن يحترم حق المرافعة ويمنح المحامي الرخص المقررة في القانون للتأجيل وأن يعطى الوقت الكافي للمرافعة والاستعداد لها ومناقشة الشهود وغير ذلك من أعمال مهنته.
والواجب على المحامي أن يسلك تجاه القضاة مسلكاً محترماً يتفق وكرامة القاضي ومركزه وهيبته واستقلاله وأن يرتقي بأدب المخاطبة والمرافعة أمامه ، وأن يتحاشى كل ما يخل بسير العدالة كل ذلك دون انتقاص بدوره في الدفاع عن موكله وحقه في الانتقاد والاعتراض المؤسس على القانون ودونما خوف أو اتخاذ أية اعتبارات شخصية تعيقه في أداء دوره .
ولقد تضمن قانون المحاماة الضمانات اللازمة لقيام المحامي بأداء رسالته ، فحظرت المادة 50 القبض على المحامى أو حبسه احتياطياً أو أن ترفع الدعوى الجنائية في جرائم الجلسات إلا بأمر من النائب العام أو من ينوب عنه .
يناير 28, 2018
284 views
أولاً: تصوير المسألة:
إذا علم القاضي بحقيقة الحادثة وأسبابها؛ بأن اطَّلع على واقعة من الوقائع، بسماع ألفاظ المُقرِّ خارج مجلس القضاء، أو سمع ألفاظ الطلاق في مكان وقوعه، أو رأى الجريمة عند وقوعها، ثم رفعت الدعوى لدى القاضي للنظر فيها، والحكم بمضمونها، فهل يحكم القاضي بناءً على علمه السابق، دون بينة أو إقرار، ويعدُّ علمه السابق طريقًا من طرق الإثبات، أم لا بدَّ من الشهادة وغيرها من وسائل الإثبات؟
ثانيًا: تحرير محل النزاع[1]:
- 1 اتفق الفقهاء على أن القاضي لا يقضي بخلاف علمه، فإذا قامت البينة على ما يُخالف علمه، فلا يَجوز له القضاء بالبينة قطعًا، ويجب عليه أن يَعتذر عن النظر بالقضية، ليتمَّ تحويلها إلى قاض آخر؛ لينظر فيها عن طريق الانتداب والتفويض.
- 2 اتفق الفقهاء على أن القاضي، يقضي بعلمه في التعديل والتجريح، فإذا علم حال الشهود عدالة أو فسادًا، فيقبل شهادة العدل، ويرد شهادة المجروح، إلا إذا بين المجرح شيئًا جديدًا لم يطلع عليه القاضي، فيقدم الجرح بالبينة، وخالف في ذلك الحنابلة في رواية عندهم، خشية التهمة عليه.
- 3 يقضي القاضي بعلمه، فيما يحدث في مجلس القضاء أثناء النظر في الدعوى، وله حق تأديب من يسيء إلى هيبة القضاء، أثناء المحاكمة، وللقاضي سلطة تقديرية محددة في ذلك.
- 4 يقضي القاضي بعلمه في حق الله تعالى حسبةً، كأن يسمع القاضي الطلاق البائن من الزوج، فالقاضي يحرِّك الدعوى ضد المُطلَق بناء على علمه؛ لأنَّ الطلاق مِن القضايا التي تمسُّ النظام الشرعي العام.
- 5 يقضي القاضي بعلمه عند وزن البينات والتَّرجيح بينها، وهذه السلطة التقديرية مقيدة؛ لأن القاضي يجب عليه أن يعلل ويبين السبب في محضر جلسات المحاكمة، وهذا من أجل دفع التهمة عن القاضي، وتحقيقًا للعدالة والنَّزاهة في القضاء.
- 6 اختلف الفقهاء في قضاء القاضي بعلمه في المدعى به، سواء علمه قبل تولية القضاء، أو بعده، قبل الشروع في المحاكمة، أو بعد الشروع وفي جميع القضايا الشخصية أو المدنية أو الجزائية[2].
ثالثًا: منشأ الخلاف:
يرجع الخلاف في هذه المسألة إلى الأمور التالية:
- 1 الأدلة الواردة في هذه المسالة أدلة ظنية، يتطرَّق إليها الاحتمال، والدليل الذي يتطرَّق إليه الاحتمال، يتَّسع للرأي والرأي الآخر.
- 2 الاختلاف في مدى تطبيق قاعدة الذرائع؛ لأن العلماء وكما يقول الشاطبي: اتفقوا في الجملة على العمل بقاعدة الذرائع لكنهم اختلفوا في مدى تطبيقها[3]، فمن رأى أن مناط قاعدة الذرائع متحقق في قضاء القاضي بعلمه، ذهب إلى عدم الجواز حتى لا يتخذ بعض قضاة السوء ذلك طريقًا للظلم والكيد من الخصوم والانتقام منهم، ولهذا لا يقضي القاضي بعلمه منعًا من الوصول إلى مثل هذا المآل المحرَّم.
- 3 التأثر بالبيئة، ولهذا أفتى المتأخِّرون بعدم العمل بعلم القاضي؛ لفساد أحوال القضاة عمومًا في زماننا.
رابعًا: رأي الفقهاء في هذه المسألة:
اختلف الفقهاء في قضاء القاضي بعلمه، إلى عدَّة آراء، نذكر منها:
- 1 رأي المانعين :
حيث ذهب بعض العلماء إلى منع قضاء القاضي بعلمه مطلقًا، وينسب هذا الرأي إلى الإمام مالك والإمام الشافعي، وهو قول مشهور للإمام أحمد، ورأي المتأخرين من الحنفية[4]، واستدلوا على رأيهم هذا بما يلي:
أ - قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ [النور: 4]، وقال أيضًا: ﴿ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النور: 13].
وجه الاستدلال بهذه الآيات الكريمات:
لم يردْ في هذه الآيات ذِكر لقضاء القاضي بعلمه؛ لأن الحكم ترتَّب عند عدم البينة، وهو الجلد، ولو كان قضاء القاضي بعلمه جائزًا، لذِكر مقرونًا بالشهادة، وعدم ذكره دليل على عدم جوازِه.
ب - عن أم سلمة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمَن قضيتُ له بحق أخيه شيئًا بقوله، فإنما أقطع له قطعةً من النار))[5].
وجه الاستدلال بهذا الحديث:
يُفيد الحديث بوضوح أن القضاء يكون بحسب المسموع لا بحسب المعلوم؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قضى بذلك، وكان يمكنه الاطِّلاع على أعيان القضايا مُفصلاً، لكنه لم يفعل ذلك، وهذا دليل عدم الجواز[6].
جـ - ورد في قصة المتلاعنَين أن رجلاً قال لابن عباس في المجلس: هي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو رجمت أحدًا بغير بينة، رجمتُ هذه؟)) فقال: لا، تلك امرأة، كانت تُظهر في الإسلام السوء[7].
وجه الاستدلال بهذا الحديث:
أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم علم بزنا المرأة، لكنه لم يرجمْها بدون بينة، فدلَّ ذلك على عدم جواز قضاء القاضي بعلمه.
د - عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم ابن حذيفة مصدِّقًا فَلاجَّه[8] رجلٌ في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القود يا رسول الله، فقال: ((لكم كذا وكذا))، فلم يرضوا، فقال: ((لكم كذا وكذا))، فلم يرضوا، فقال: ((لكم كذا وكذا))، فرضوا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إني خاطب العشية على الناس ومُخبرهم برضاكم))، فقالوا: نعم، فخطب، فقال: إن هؤلاء الذين أتوني يريدون القود، فعرضتُ عليهم كذا وكذا فرضوا، أَفَرَضِيتُمْ؟ قالوا: لا، فهمَّ المهاجرون بهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفُّوا عنهم، فكفوا، ثم دعاهم فزادهم"[9].
وجه الاستدلال بالحديث:
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذهم بعلمه فيهم، ولم يحكم عليهم برضاهم أول مرة، وقد علم رضاهم، وهذا دليل على أنَّ القاضي لا يَحكم بعلمه.
هـ - القضاء بعلم القاضي يجعل القاضي في موضع التهمة، ويثير الشبهة في قضائه، ويفتح الباب لقضاة السوء إلى إنزال الأحكام الجائرة بأعدائهم وخصومهم، وحتى لا يتخذ قضاة السوء ذلك مطية للظلم؛ لذا لا يجوز أن يقضي القاضي بعلمه؛ لأنه يؤدي إلى مآل محظور وهو الظلم، عملاً بقاعدة الذارئع، والتي تقضي بمنع الوسائل المباحة، إذا أدت إلى مآل محظور؛ لأن النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا، كما قرَّر ذلك الإمام الشاطبي - رحمه الله[10].
- 2 المجيزون:
يرى بعض الفقهاء أن القضاء بعلم القاضي جائز مطلقًا، ويُنسَب هذا الرأي إلى الشافعية في المشهور عندهم، والإمام أحمد في رواية عنه، وابن حزم، والصاحبَين من الحنفية[11].
واستدلوا على ذلك، بما يلي:
أ - قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ [النساء: 135] الآية.
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
أن الله سبحانه وتعالى أمَرَ بإقامة العدل، ومِن إقامة العدل أن يقضي القاضي بعلمه، وعدم ذلك يؤدِّي أن يترك الظالم على ظلمه، وهذا لا يجوز شرعًا، عملاً بنص الآية الكريمة[12].
ب - عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت هند بنت عتبة، امرأة أبي سفيان، على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني، ويكفي بنيَّ، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذي من ماله بالمعروف، ما يكفيك ويكفي بنيك))[13].
وجه الاستدلال بالحديث:
أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حكم لهند بناءً على علمه؛ لأنه لم يطلب منها بيِّنة، وهذا دليل واضح على جواز الحكم بعلم القاضي.
جـ - عن سعيد بن الأطول أنَّ أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أنفق على عياله فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أخاك محبوس بدينه، فاقضِ عنه))، قلت: يا رسول الله، قد قضيت عنه إلا دينارَين ادَّعتْهما امرأة، وليست لها بينة، قال: أعطها فإنها محقَّةٌ))، وفي لفظٍ: صادقة[14].
وجه الاستدلال بالحديث:
يفيد الحديث بوضوح أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بعلمه في هذه القضية؛ لأن المدعية لم تقدم بينة في ذلك لعدم وجود البينة، ولا يوجد إقرار في ذلك؛ وهذا دليل واضح على جواز القضاء بعلم القاضي[15].
د - قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن رأى منكم منكرًا، فليُغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه))[16].
وجه الاستدلال بالحديث:
أن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقضي القاضي بعلمه؛ لأنه ليس من العدل والمعروف أن يسمع القاضي رجلاً يُطلِّق امرأته، ويقره على ذلك.
هـ - القاضي يقضي بناءً على الشهادة وهي تفيد الظن، فمن باب أولى أن يقضي القاضي بعلمه؛ لأن علمه يفيد اليقين.
و - أن عدم القول بقضاء القاضي بعلمه، يؤدي إلى أحد أمرين؛ وهما: تعطيل الأحكام أو فسق الحكام، وكلاهما لا يجوز شرعًا؛ فثبت القول بقضاء القاضي بعلمه؛ منعًا لهذا المآل المحرَّم.
خامسًا - المناقشة والتَّرجيح:
- 1 مناقشة أدلة المانعين:
أ - الاستدلال بالآيات الكريمة استدلال غير صحيح؛ لأنَّ الآيات الكريمة تتحدَّث عن البينة الشخصية، والحكم بناءً عليها، وهذا أمر صحيح ومتَّفق عليه بين الفقهاء؛ ولكن الآيات الكريمة لم تُشرْ إلى قضاء القاضي بعلمه، لا بالنفي ولا بالإثبات؛ ولهذا تكون الآيات الكريمة في غير محل النزاع[17].
ب - حديث: ((إنكم تَختصمون إليَّ..))، يتحدث عن حرمة تضليل العدالة، وهو أمر متَّفق عليه بين الفقهاء، وهو خارج محل النزاع، والحديث لم يشرْ لقضاء القاضي بعلمه، لا بالنفي ولا بالإثبات، ولهذا لا يصحُّ الاحتجاج به في هذه المسألة.
جـ - الأدلة الأخرى أدلة صحيحة وقوية في دلالتها على منع القاضي من القضاء بعلمه، وخاصة المعقول منها؛ لأن القضاء تؤثر فيه التهمة؛ ولهذا لا تصحُّ شهادة الوالد لولده، والزوج لزوجه، والعدو على عدوه؛ للتُّهمة، والتهمة متحقِّقة في قضاء القاضي بعلمه خاصة في زماننا لفساد القضاة[18].
- 2 مناقشة أدلة المجيزين:
أ - الآية الكريمة: ﴿ كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ﴾ [النساء: 135]، في غير محلِّ النزاع؛ لأن الآية تشير إلى العدالة، وبريدها البيِّنة الصحيحة، والحكم يُبنى على بينة صحيحة لا تضليل فيها، ويكون معللاً ومبينًا سببه، وهذا أمر متفق عليه بين الفقهاء.
ب - الاستدلال بحديث هند بنت عتبة استدلال في غير محله؛ لأنَّ هند لم ترفع دعوى في حق زوجها، ولم تُخاصم زوجها، وإنما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا استفتاء محض، والفتيا غير القضاء؛ ولهذا يكون الحديث خارج محل النزاع[19].
جـ - الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا)) غير صحيح؛ لأن الحديث يوجب تغيير المُنكَر، دون أن تتطرَّق التهمة في تغييره، والتهمة متحقِّقة في قضاء القاضي بعلمه، وله أن يكون شاهدًا لدى حاكم آخر، ينظر الدعوى، وبهذا يغيِّر المنكر، ويدفع التُّهمة عن نفسه[20].
د - وأما الأدلة الأخرى، فإنها جميعها يتطرَّق إليها الاحتمال، ومن ذلك عدم توفُّر أركان الدعوى فيها، ولذا تكون من باب الفتيا وليس من باب القضاء، وقد تكون من باب خصوصيات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن التهمة مُنتفية في حق الرسول صلى الله عليه وسلم.
التَّرجيح:
إن الأدلة الواردة في هذه المسألة جميعها يتطرق إليها الاحتمال، والدليل الذي يتطرق إليه الاحتمال في محل النزاع يسقط الاستدلال به، كما أن التهمة متحقِّقة في قضاء القاضي بعلمه؛ والقضاء تؤثر فيه التهمة، ومع فساد الزمان والقضاة فإنه يرجح منع القضاء بعلم القاضي في زماننا، وفي هذا يقول ابن عابدين: "والفتوى على عدمه في زماننا لفساد القضاة"[21]، ويقول ابن حجر العسقلاني: "فيتعيَّن حسم مادة تجويز القضاء بالعلم في هذه الأزمان المتأخِّرة، لكثرة من يتولى الحكم، ممن لا يؤمن على ذلك"[22]، وقد ذهبت معظم القوانين العربية إلى هذا الرأي، كما جاء في قوانين البينات، وأصول المحاكمات، والمعاملات المدنية، ومنها الأردن وسوريا ودولة الإمارات العربية[23]؛ حيث نصت المادة (3) من قانون الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية بدولة الإمارات العربية، ولا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه الشخصي[24]، ونصَّت المادة (3) من قانون البينات الأردني، ليس لقاضٍ أن يَحكم بعلمه الشخصي[25].
________________________________________
[1] ابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار (5 / 438)، وابن فرحون: تبصرة الحكام (2 / 245)، وابن رشد: بداية المجتهد (2 / 470)، والبهوتي: كشاف القناع (4 / 197)، وابن حزم: المُحلى (9 / 370)، والعز بن عبدالسلام: قواعد الأحكام (1 / 37)، ومحمد عليش: منح الجليل شرح على مختصر سيدي خليل (4 / 198) وما بعدها، ابن قدامة: المغني (4 / 53) وما بعدها.
[2] ابن رشد: بداية المجتهد (2 / 470)، والشربيني: مغني المحتاج (4 / 398)، وابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري (16 / 500).
[3] د. علي أبو البصل: قاعدة الذرائع والحيل، بحث منشور في مجلة الحكمة، العدد (14) لسنة 1418هـ (ص: 61)، والشوكاني: نَيل الأوطار (9 / 196).
[4] الكاساني: البدائع (7 / 6) وما بعدها، والسرخسي: المبسوط، (16 / 116)، والحطاب: مواهب الجَليل (6 / 113)، والشافعي: الأم (6 / 223)، والشربيني: مغني المحتاج (4 / 398)، والنووي: روضة الطالبين (11 / 156)، وابن قدامة: المغني (4 / 53).
[5] النووي: صحيح مسلم بشرح النووي (6 / 245).
[6] الشوكاني: نَيل الأوطار (9 / 198).
[7] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري (15 / 488).
[8] فلاجَّه: بجيم مشددة مفتوحة من اللجاج.
[9] أخرجه أبو داود: سنن أبي داود (4 / 672، 673).
[10] الشاطبي: الموافقات (2 / 194).
[11] السرخسي: المبسوط، (16 / 105)، وابن جزي: القوانين الفقهية (ص: 194)، وابن قدامة: المغني (4 / 53) وما بعدها، وابن حزم: المحلى (9 / 370).
[12] ابن حزم: المحلى (19 / 370).
[13] النووي: صحيح مسلم بشرح النووي (6 / 248).
[14] أخرجه ابن ماجه: سنن ابن ماجه (2 / 813).
[15] د. محمد أبو فارس، القضاء في الإسلام (ص: 130).
[16] النووي: صحيح مسلم بشرح النووي (2 / 22).
[17] د. محمد سعيد درويش: طرائق الحكم المتَّفق عليها والمختلف بها (ص: 278)، ود. عبدالكريم زيدان: نظام القضاء في الشريعة الإسلامية، (ص: 214) وما بعدها.
[18] الشوكاني: نَيل الأوطار، (9 / 196).
[19] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري (9 / 511)، وابن قدامة: المغني (14 / 31).
[20] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري (13 / 139).
[21] ابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار (5 / 423).
[22] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري (13 / 16).
[23] المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني (1 / 85)، ود. محمد الزحيلي: أصول المحاكمات الشرعية والمدنية (ص: 227) وما بعدها، وقانون المعاملات المدنية الإماراتي (ص: 31).
[24] جمعية الحقوقيين: قانون الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية بدولة الإمارات العربية (ص: 11).
[25] مجموعة التشريعات الأردنية: قانون البينات رقم 30 لسنة 1952م (ص: 325).
محمود حسن فرغلي
احسنت أستاذنا ابو غدير ، ودكتور أبو البصل له عدة بحوث قيمة يمكن الاستعانة بها للباحثين
-
أعجبني
4
- يناير 28, 2018
يناير 25, 2018
237 views
ومن كرامة الإنسان حقه في الأمن الشخصي
وقد أقرت الشريعة الإسلامية حق الإنسان في الأمن الشخصي ، وقدمت له من الضمانات ما يكفل حمايته وتخفيف حدّة الاعتداء عليه إن وقع ، وبيان ذلك في الآتي :
أ – مفهوم الأمن الفردي أو الشخصي يعني :
تأمين وحماية نفس الإنسان من الترويع أو التخويف ، وجسده من التعذيب ، وحريته من التوقيف أو الاعتقال.
ب - إقرار الأمن الشخصي في الشريعة الإسلامية :
لقد امتنَّ الله تعالى بنعمة الأمن على قريش حين أعرضوا عن دِين محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال سبحانه: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ) القصص: 57
وبها دعاهم إلى الإيمان؛ فقال جلَّ ذِكرُه : ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) قريش: 3 .
كما من الله تعالى بالأمن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين فقال تعالى : ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) الأنفال 26
ج - مظاهر الأمن الشخصي للإنسان في الشريعة الإسلامية :
ولقد أمنت الشريعة الإسلامية حياة الإنسان الشخصية بداية من النهي عن ترويعه وتخويفه وحماية جسده من التعذيب ، وحصنت نفسه من التعدي عليها بالقتل ، واحترمت خصوصياته وبيان ذلك في الآتي :
أمنت الشريعة الإسلامية حياة الإنسان بداية من ترويعه وتخويفه ، وتعذيبه ، وحصنت نفسه من التعدي عليها بالقتل :
. 1 الإسلام ينهى عن ترويع الإنسان :
لا يجوز في شرع الله تعالى ترويع الآمنين سواء كان ذلك عن طريق الإيذاء الحسي أو المعنوي، سواء كان هذا الترويع بالقول أو بالفعل، وسواء كان على سبيل الجد أو اللعب ، لأن ترويع الإنسان ظلم وتعد ظاهر على حق .
فقد رُوِيَ عن عامر بن ربيعة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا تُرَوِّعُوا المسلم ؛ فإن رَوْعَة المسلم ظلم عظيم"، ورُوِيَ عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "مَن أخافَ مؤمنًا كان حقًّا على الله أن لا يُؤَمِّنَه من أفزاع يوم القيامة".
وحُرْمة ترويع المؤمن متحقِّقة ولو كان بمجرد النظرة التي قُصِد منها الإخافة ، ولهذا فقد رُوِيَ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن نظر إلى مسلم نظرةً يُخيفه فيها بغير حق أخافَه الله يوم القيامة".
وتتأكد حرمة ترويعه وإخافتَه سواء كان على سبيل الجد أو اللعب ، فقد روى عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه، لاعبا ولا جادا ، ومن أخذ عصا أخيه فليردها). سنن أبي داود .
. 2 وحرمت شريعة الإسلام التعذيب :
الأصل في الإنسـان براءةُ الذمة ، فلا يجوز توقيفه إلا ببيِّنة شرعية، أو تهمةٍ معتبرة ، ويكون التعامل معه خلال ذلك بما يتوافق مع إنسـانيته وكرامته ولا يجوز تعذيبه بغير حق .
ولقد حرم الله تعالى التعذيب ، فقال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً الأحزاب:58 .
وثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا. ) رواه مسلم.
. 3 الحق في الحرية والحبس الإحتياطي :
ومن الأمور التي نادى بها الإسلام ، حرية الإنسان في التصرف بنفسه ، وقد وجعل الشارع الحكيم ذلك حقا لا يصح هدره إلا بمبرر شرعي قامت عليه أدلة شرعية معتد بها. وحبس المتهم احتياطياً مسألة في غاية الخطورة، لأنها تمس الحرية التي كفلها الله سبحانه وتعالى للإنسان .
الأصل في الشريعة البراءة ، ومن ثم فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته ، ودليل ذلك قول الله تعالى: في ( وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) سورة النساء آية 112 ، ومؤدى ذلك أن البراءة هي اليقين ولا تُهمة بدون دليل .
بيد أن الإنسان قد تحوم حوله الشكوك والشبهات بارتكابه جرم معين ، فهل يُترك بناءً على أصل البراءة ، أم تقيد حريته ويحبس حتى تثبت براءته ؟
اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز حبس المتهم المعروف بصلاحه وبره لمجرد التهمة ، واختلفوا في مشروعية حبس المتهم المعروف بالفجور أو المتهم المجهول الحال الذي لا يعرف ببر ولا بفجور حبساً احتياطياً على قولين :
القول الأول : جواز حبس المتهم إحتياطياً :
وهو رأي جماهيير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة تضمنته كتب شرح فتح القدير ، التاج والإكليل لمختصر خليل ، إعلام الموقعين
واعتبر أصحاب أصحاب هذا الرأي أن الحبس المؤقت من السياسة العادلة ، والتصرف الحكيم ، واشترطوا لذلك قيام التهمة على قرينة قوية، أو ظهور إمارة الريبة على المتهم أو لكون له سوابق في الانحراف والإجرام.
القول الثاني: عدم جواز الحبس بالتهمة مطلقاً :
وهو قول شريح القاضي وأبو يوسف و محمد بن حزم الظاهري ، وقد ثبت في كتب شرح فتح القدير والمحلى .
وهو فعل الخلفاء الراشديين المهديين ، فلقد هدد ابو لؤلؤة المجوسي لعنه الله عمر بن الخطاب رضي الله ، ومع ذلك لم يعتقله ولم يراقبه .
وكذلك فعل الخليفة الراشد عليّ رضي الله عنه مع عبدالرحمن بن ملجم وقد ألمح إليه إلماحاً شبيها بالتصريح بقتله ومع ذلك لم يعتقله ولم يراقبه.
لقد أراد الله لهما الشهادة ليعلي درجاتهما ويرفع منزلتهما.
فينبغي للمشرع في العالم الإسلامي أن يسلك نهج الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرنا رسولنا وحثنا على التمسك بسنتهم ، حيث روى أبو داود عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور"
معاويه الاشرم
استاذ محمد كل الاحترام والتقدير لك ... ممكن تحكيلنا معلومات اكتر ع الحبس الاحتياطي .. وبحالة الموقوف كان برئ ماهي الاجراءات المتخذة قضائيآ له
-
أعجبني
5
- يناير 27, 2018
عن المحاماة :
قال : دوجيسو رئيس مجلس القضاء الأعلى بفرنسا :
المحاماة عريقة كالقضاء .. مجيدة كالفضيلة .. ضرورية كالعدالة ..
هي المهنة التي يندمج فيها السعي إلى الثروة مع أداء الواجب .. حيث الجدارة وا...عرض المزيد